Surprise Me!

كوب أمي

2019-03-20 0 44 Vimeo

كوب #أمي إلقاء وكتابة: #مايسة_زكي رحلت أمى عام 1994. رحل عمر نجم 1995. عندما رحلت بهتت الأيام. لم تعد تواريخ الميلاد تبرق فى الزمن كما كانت تبرق من قبل. كنت أحب التماعاتها وأحتفل. لا أذكر متى غادرتْ على وجه التحديد. لا أتوقف عند اليوم. إلا أنه فى كل عام عندما تلفحنى الذكرى ألتفت إلى الوراء بعد أيام. غالباً ما كان فى الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، ما يقع فى التقويم القبطى المصرى فى شهر توت. غادرنى عمر فى 22 مارس. التاريخ الوحيد الذى أذكره بعدها على وجه الدقة. أجلتُ زيارتها فى الواحد والعشرين،عيد الأم الأول من نوعه، لحين الاطمئنان عليه. إلا أنه لم يطل بنا الانتظار، ثلاثتنا. ودعتُه وزرتها فى الثالث والعشرين. أجهض رحيل نجم التماعات أيام قادمة. ما زلت أتذكر شيئاً آخر على وجه الحدس: أنى أحب شهر مارس. أحب جواً أستنشق فيه رحيق تربة تتنفس بانتشاء، وطمى، وذرات هواء غامضة حُبلى بنداء ووعد. وأحب قصيدة (18 مارس) التى كتبها ليلتها من عام 1987، من ديوانه الأول (وف حواريكى الحقيقيه). أظنه ساعتها سمع النداء وأوشك أن يطمئن للوعد: لما خاصمتنى الدموع واتحجَرت جوه العيون رغم البُكا كان المطر من زمان والنيل واحِشنى من زمان عمَال ألِف أدور والف أندَه عليه النيل ما كنش له أثر جربتى مرَه.. بس مرَه! ياحبيبتى المطر إزاى بيخلق م الحوارى وطميها والغلابه ف قلبها أحلى نيل وإزاى بيبقى شئ جميل جوه عالم مش جميل النهارده كنت وسط النيل بعوم من غير هموم حر حتى م الهدوم كنت نا والنيل صحاب ومفيش حجاب يمنعنى إنى أبوح إليه نظرة عينيه فيها سر عيونك انتى الملهِمه والقمر شق السحاب نزِلِنا قنديل وشمعه تقيد لنا معرفش ليه ساعة ما خدنى جوه حضنه زلزلتنى رعشه دافيه ذكرتنى بدنيا كانت مرَه صافيه وافتكرت اتنين وبس أمى اللى ماتت من سنين وانتى... لما كنا ويَا بعض قلبين بيغسلنا المطر الدموع نزلت ساعتها من عيونى تسح سح ياهلترى هيا دى دموع الفرح؟ ترتبط هذه القصيدة فى وجدانى أبداً بقصيدة قصيرة، دقيقة البنيان، رهيفته، من ديوانه الأخير الخاطف (غياب الحضور حضور الغياب)، بعنوان (معرفش ليه؟!): معرفش ليه مع كل جرح جديد ف قلبى بانقشِك فوق البيوت وانساكى - مش عارف وليه - ساعة الفرح يمكن عشان دايماً ثوانى بتشاكسنا زى بسمه نام عليها العنكبوت آه ياأمى أحيان كتير باخاف لاموت قبل ما تتملَى عينى من ملامحك لسه جرحى هو جرحك لسه باحلم والسحاب مابقاش مطر ياقمر والاسم أمى سابنى فجأة ف شهر توت وبخط يده يسجل: نوفمبر 1992. المفارقة أنها كانت قد رحلت حينها منذ ثمانى سنوات وقبل أن ألقاه، أمه التى كان يحمل صورتها السمراء جنب قلبه، والتى أهداها "وليده الأول"، ديوانه الأول مناصفة مع فؤاد حداد، وخصها: "أمى بنت الصعيد الأمية..علمتنى الشعر قبل أن تموت." ماتت فى يناير أول شهر فى السنة الميلادية وقابله بالتقويم القبطى، لزوم موسيقى القصيدة، والإيحاء الشعرى للإله تحوت، وتصاريف السباحة فى الفلك(!) إذ أن أمى التى كان يخصها بمحبة أيضاً هى التى غابت بعد القصيدة بعامين فى شهر توت، أول شهر في السنة القبطية . اقتنيت كوباً من الفخار عليه إهداء بالإنجليزية للأم مما يبتاعه الأبناء والبنات فى عيدها. أظنه كان يروق لأمى بدرجات البنفسجى الفاتح الموحى بشجن نبيل، وزهوره الدقيقة المشربة بأول الألوان، وسحبه البيضاء فى سماء يطل منها ولد وبنت، أنا وأخى ولد وبنت.. :"ماما ، الأمهات يحتفظن بأكف أطفالهن إلى حين، لكن قلوبهم ملك لهن إلى الأبد" اشتريته بعد رحيلها بسنوات ثقيلة. كان لمصادفته سرور شجي. أستدفيء به وأضمه بكلتا يدى، وقد يلامس قلبى. ما أظن مصممه كان يقصد هذا المصير أو المعنى. ما أظنه كان يقصد هذا الغياب البارد الأبدى، وتعلُق القلب بها، هذا التعلق المضنى بين عالمين افترقا، وحنينا مستحيلا لاتصال. لكم يتغير المعنى وتسخر منَا الأدوار. غياب القمر "اللى اسمه" أمى. علقة العمر الأليمة كما يسميها فيلسوف الاختزال البليغ، أحمد رجب. كم مرة خجلت أن ألمس الكوب، وأخرى أملت فى سماحتك، واحتضنته بين يدىَ. حضن أطيله كيفما أشاء، وأنتقم من حيائك الذى كان يجعلنى أختطف الحضن اختطافاً. ماما وحشتينى. وعمر كمان.

Buy Now on CodeCanyon