تميم البرغوثي : تقولُ الحمامةُ للعنكبوتِ<br />تقولُ الحمامةُ للعنكبوتِ<br />أُخَيَّ تذكرتني أمْ نَسيتِ<br />عشيةَ ضاقت عليَّ السماءُ<br />فقلتِ على الرحبِ في الغارِ بيتي<br />وفي الغار شيخان لا تعلمينَ<br /> حَمَيْتِهِما يومَها أم حُمِيتِ<br />جَنينانِ إن يَنْجُوَا يُصبِحا<br />أمةً ذاتَ شملٍ جميعٍ شَتيتِ<br />وقومٍ أتوا يطلبونهما<br />تَقِفُ الرِّيحُ عنهم مِنَ الجَبَرُوتِ<br />أُنقِّلُ عَيْنَيَّ في القوم ما بين<br /> وجهٍ مقيتٍ ووجهٍ مقيتِ<br />أَتَوْا فارتعشتُ فقلتِ اْثبتي<br />تُحْرِزِي الخيرَ يا هذِهِ ما حَيِيتِ<br />فليس بأيديهِمُ أن تعيشي<br /> وليس بأيديهِمُ أن تموتي<br />سنحمي الغَرِيبَينِ مِنْ كُلِّ سيفٍ<br />بريشِ الحَمامِ وأوْهَى البُيُوتِ<br />سنبني المآذنَ في المشرقَينِ<br />بخيط رفيع وخبزٍ فتيتِ<br />أنا من أتيتكِ أشكو السماءَ<br /> فصرتُ أقاسمُها بعضَ قُوتي<br />تقولُ الحمامةُ للعنكبوتِ<br />أُخَيَّ تذكرتني أم نَسِيتِ؟<br />أُخَيَّةُ هل تذكرين الغَرِيبَينِ؟<br />ما فعلا بعدنا؟ يا فُدِيتِ<br /><br />أُخَيَّةُ.. ماذا جرى لهما؟<br />أَتُرَى سَلِمَا؟<br /><br />يا أُخَيَّةُ هل تعلمينْ؟<br />لقد كان في الغار وعدٌ بأن السماءَ ستُنْثَرُ<br />مثل أَرُزِّ العروسِ على العالمينْ<br />لقد كان في الغار دنياً من الصين حتى بلاد الفرنجةِ<br />أسواقُها وميادينُها وقوافلُها وعساكرُها وصياحُ المنادينَ <br />بسطُ الجوامعِ آيُ المصاحفِ أضرحةُ الصالحينَ <br />ارتجافُ الأغانيْ ابتسامُ المسِنِّينَ <br />خبزُ اليتامى نقوشُ الأواني<br />وشايُ الصباحِ يُعَطَّرُ بالمرْيَمِيَّةِ والياسمينْ <br /><br />أُخَيَّةُ ماذا جرى لهما؟<br />أَتُرَى سَلِمَا؟<br /><br />يا أُخَيَّةُ هل تذكرينْ؟<br />غداةَ أناديكِ هَلْ لَكِ هَلْ لَكِ؟<br />أن نُدْخِلَ الغارَ أهلي وأهلَكِ<br />فالغارُ أوسعُ من كلِّ شَيءٍ<br />هو القَدَرُ الدائِرِيُّ الذي كانَ قبلي وقَبْلَكِ<br />هلْ لَكِ هَلْ لَكِ؟<br /> ثُمَّ انْهَمَكْتِ لكي تَنْسُجِي للغَرِيبَيْنِ لَيْلاً حَنُونَاً<br />يكونُ مِنَ الليلِ ليلاً بَدِيلا<br />وقُمْتُ أُنَسِّقُ عُشَّاً فسيحاً <br />دَعَوتُ إليهِ الطيورَ قَبِيلاً<br />أُخَيَّةُ فَلْتَنْظُرِي الآنَ حَوْلَكِ<br />ما تُبْصِرينْ؟<br /><br />أُخَيَّةُ ماذا جرى لهما؟<br />أُتُرَى سَلِمَا؟<br /><br />يا أًخَيَّةُ ماذا جرى لأَرَى ما أَرَى؟<br /><br /> فلقد طُفْتُ ما طُفْتُ تحت السَّما <br />لم أَجِدْ أحداً منهما<br />وكأنهما لم يكونا هنا<br />لم يحِلاَّ ولم يَرْحَلا<br />يا أُخَيَّةُ ضَيفَاكِ.. ما فَعَلا؟<br />أَوَ لم يَصِلا للمَدِينَةِ أم وَصَلا؟<br />يا أُخَيَّةُ ضَيفَاكِ.. ما فَعَلا؟<br />أَتُرَى أُسِرَا؟ أَتُرَى قُتِلا؟<br />أَتُرَى بَقِيَا صَاحِبَيْنِ أَمِ انْفَصَلا؟<br />يا أُخَيَّةُ ضَيْفَاكِ ما فَعَلا؟<br /><br />تَقُولُ الحَمامةُ للعنكبوتِ<br />أُخَيَّ تَذَكَّرْتِني أم نَسِيتِ؟<br />لقد طفتُ كالشَكِّ كُلَّ البلادِ<br />وأنتِ هنا كاليقينِ بَقِيتِ<br />فلم أُوتَ علمَك مهما عَلِمْتُ<br />ولم أَرْقَ يوماً إلى ما رَقِيتِ<br />فَأَنْتِ لبُنْيانِنَا كالثَّباتِ<br />وَأَنْتِ لبُرهانِنَا كالثُّبوتِ<br />أَتَيْتُكِ أسألُ عن صَاحِبَيْنا<br />فلا تَقْتُلِيني بهذا السُّكوتِ<br />أراكِ أُخَيَّةُ لا تَنْطِقِينَ<br />بأيِّ الدَّواهي الإناثِ دُهيتِ؟<br />وَأَعْرِفُ ما ضَرَّكِ المشرِكُونَ<br />ولكن مِنَ المؤمنينَ أُتِيتِ<br />تقولُ الحمامةُ للعنكبوتِ<br />بِرَبِّكِ يا هَذِهِ لا تَمُوتي<br /><br />تقولُ الحمامةُ لما رَأَتْ روحَ حارسةِ الغارِ فاضَتْ<br />وقد أصبحَ الغارُ من بعدِها طَلَلا<br />يا أُخَيَّةُ ضَيْفَاكِ ما فَعَلا؟<br /><br />ثم قالت تَعَزَّيْ قِليلاً<br />وخَلِّي مِنَ الدمعِ ما هَمَلا<br />ثم ميلي إلى كُلِّ طفلٍ وليدٍ <br />وقُصِّي عَلَيْهِ الحكايةَ قولي لَهُ:<br />في زمانٍ مَضَى حلَّ في غارِنا <br />عَرَبِيَّانِ وَاْرْتحَلا...<br />
