تميم البرغوثي : بيان عسكري 1<br /><br />إذا اعتاد الملوك على الهوانِ<br />فذكرهم بأن الموتَ دانِ<br />ومن صدفٍ بقاءُ المرءِ حَياً<br />على مرِّ الدَّقائقِ والثواني<br />وجثةِ طِفْلَةٍ بممرِّ مَشْفَىً<br />لها في العمر سبع أو ثمانِ<br />على بَرْدِ البلاطِ بلا سريرٍ<br />وإلا تحتَ أنقاضِ المباني <br />أتاها الموت قبل الخوف منه<br />وكانا نحوها يتسابقان<br />ولو خيرتَ بينهما كريماً<br />فإن الخوف يخسر في الرهان<br />يقول لك المجرب كلُّ حرب<br />لها طرفان دوماً خائفان<br />وخوف المرء يدفعه أماماً<br />فيظهر كالشجاعة للعيانِ<br />ترى الجيشيْن من خوف المنايا<br />عليها يقدمان ويحجمان<br />بكل حديدة طنت ورنت<br />وكل مكيدة يتسلحان<br />فما لك يا بنية لم تخافي<br />ولم تثقي بسيف أو سنانِ؟<br />وما للجيش جاء بكل درع<br />مخافة هذه الحدق الحسان؟<br />كأنَّكِ قُلْتِ لي يا بنتُ شيئاً<br />عزيزاً لا يُفَسَّر باللسانِ<br />عن الدنيا وما فيها وعني<br />وعن معنى المخافةِ والأمانِ<br />فَدَيْتُكِ آيةً نَزَلَتْ حَدِيثاً<br />نذيراً للبريء وللمدانِ<br />قد امتحنوا بها عشرين جيشاً<br />وجازت وحدها في الامتحانِ<br /> <br />فنادِ المانعينَ الخبزَ عنها<br />ومن سَمَحُوا بِهِ بَعْدَ الأوانِ<br />وَهَنِّئْهُم بِفِرْعَوْنٍ سَمِينٍ<br />كَثَيرِ الجيشِ مَعمورِ المغاني <br />له لا للبرايا النيلُ يجري<br />له البستانُ والثَمَرُ الدَّواني<br />نحاصَرُ من أخٍ أو من عدوٍّ<br />سَنَغْلِبُ، وحدَنا، وَسَيَنْدَمَانِ<br /><br />سَنَغْلِبُ والذي جَعَلَ المنايا<br />بها أَنَفٌ مِنَ الرَّجُلِ الجبانِ<br />بَقِيَّةُ كُلِّ سَيْفٍ، كَثَّرَتْنا<br />مَنَايانا على مَرِّ الزَّمَانِ<br />كأن الموت قابلة عجوز<br />تزور الحي من آنٍ لآنِ<br />نموتُ فيكثرُ الأشرافُ فينا<br />وتختلطُ التعازي بالتهاني<br />كأنَّ الحربَ للأشرافِ أمٌّ<br />مُشَبَّهَةُ القَسَاوَةِ بالحنانِ<br />لذلك ليس تُذكَرُ في المراثي<br />كثيراً وهي تُذكَرُ في الأغاني<br /><br />سنَغْلِبُ والذي رَفَعَ الضحايا<br />مِنَ الأنقاضِ رأساً للجنانِ<br />رماديِّينَ كالأنقاضِ شُعْثاُ<br />تُحدِّدُهم خُيوطُ الأرْجُوَانِ<br />يَدٌ لِيَدٍ تُسَلِّمُهم فَتَبْدُو<br />سَماءُ اللهِ تَحمِلُها يدانِ<br />يدٌ لِيَدٍ كَمِعراجٍ طَوِيلٍ<br />إلى بابِ الكريمِ المستعانِ<br />يَدٌ لِيَدٍ، وَتَحتَ القَصْفِ، فَاْقْرَأْ<br />هنالكَ ما تشاءُ من المعاني<br />صلاةُ جَمَاعَةٍ في شِبْرِ أَرضٍ<br />وطائرة تُحَوِّم في المكانِ<br />تنادي ذلك الجَمْعَ المصلِّي<br />لكَ الوَيْلاتُ.. ما لَكَ لا تراني؟<br />فَيُمْعِنُ في تَجَاهُلِها فَتَرمِي<br />قَنَابِلَها وَتَغْرَقُ في الدُّخانِ<br />وَتُقْلِعُ عَنْ تَشَهُّدِ مَنْ يُصَلِّي<br />وَعَنْ كرمٍ جَدِيدٍ في الأَذَانِ<br /><br />نقاتلهم على عَطَشٍ وجُوعٍ<br />وخذلان الأقاصي والأداني<br />نقاتلهم وَظُلْمُ بني أبينا<br />نُعانِيه كَأَنَّا لا نُعاني<br />نُقَاتِلُهم كَأَنَّ اليَوْمَ يَوْمٌ<br />أخيرٌ ما لَهُ في الدهر ثَانِ<br />بِأَيْدِينا لهذا اللَّيْلِ صُبْحٌ<br />وشَمْسٌ لا تَفِرُّ مِنَ البَنَانِ <br />بيان عسكري فاقرؤوه<br />فقد ختم النبي على البيانِ<br />